الصحة النفسية

اضطراب الهوية الجنسية | لماذا أكره جسدي؟

ماذا يعني اضطراب الهوية الجنسية!

تحكي الأسطورة اليونانية “Metamorphos” قصة امرأة نشأت كذكر تقع في حب امرأة أخرى، ثم تتحول إلى رجل قبل حفل الزفاف ليعيشوا سويًا.

تُعبر هذه الأسطورة منذ قديم الأزل عن “اضطراب الهوية الجنسية”، وهو مصطلح يصف الشعور بعدم الارتياح الذي يشعر به الشخص، بسبب عدم التوافق بين جنسه البيولوجي، وهويته الجنسية التي يشعر بالانتماء إليها.

سنتحدث في هذا المقال عن كل جوانب هذا الاضطراب، فتابع معنا.

اضطراب الهوية الجنسية

ما اضطراب الهوية الجنسية؟

يشير مصطلح الهوية الجنسية إلى شعورنا بمن نحن، أو كيف نرى ونصف أنفسنا.

يُعرَّف معظم الناس على أنهم “ذكر” أو “أنثى”، وهذا ما يطلق عليه اسم “الهويات الثنائية” أو (Binary identities).

لكن يشعر بعض الناس أن هويتهم الجنسية تختلف عن جنسهم البيولوجي (المولودون به).

فمثلًا، قد يكون لدى بعض الأشخاص الأعضاء التناسلية الذكرية، وكذلك خصائص الذكورة الثانوية مثل شعر الوجه وغيره.

لكنهم لا يُعرفون أنفسهم على أنهم ذكور، أو لا يشعرون بالانتماء لجنس الذكور.

وكذلك قد يكون لدى البعض أعضاء تناسلية أنثوية، وأيضًا خصائص الأنوثة الثانوية مثل نمو الثديين وغيره. لكنهن لا يعرفن أنفسهن على أنهن إناث أو لا يشعرن بالانتماء لجنس الإناث.

ومن هنا نشأ مصطلح “اضطراب الهوية الجنسية” أو (Gender dysphoria)، وهو أن ينتمي الجسم إلى جنس معين ظاهريًا، بينما ينتمي صاحبه إلى جنس آخر نفسيًا.

أسباب اضطراب الهوية الجنسية

ما زالت الأسباب الدقيقة وراء حدوث هذا الاضطراب غير معروفة، لكن قد تتشارك عدة عوامل مختلفة في حدوثه، ومنها:

  • العوامل الوراثية.
  • التأثيرات الهرمونية في مرحلة ما قبل الولادة.
  • العوامل البيئية.

أعراض اضطراب الهوية الجندرية

لدى كثير من الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب رغبة قوية ودائمة في أن يعيشوا حياةً تعبر عن هويتهم الجنسية، التي يشعرون بالانتماء إليها.

لذلك قد يغيرون مظهرهم أو سلوكياتهم أو اهتماماتهم.

قد يظهر عليهم أيضًا علامات الضيق وعدم الراحة، ومنها:

  • الانسحاب أو العزلة الاجتماعية.
  • الاكتئاب والقلق.
  • تدني احترام الذات.
  • إهمال أنفسهم.

الأطفال والهوية الجنسية

قد يُظهر الأطفال اهتمامًا بالملابس والألعاب التي تخص الجنس الآخر، وقد يبدون أيضًا غير راضين بخصائصهم الجنسية الجسدية.

ومع ذلك، فإن هذا النوع من السلوك شائع إلى حد معقول في الطفولة، وهو جزء من عملية النمو.

ولا يعني ذلك أن الأطفال الذين يتصرفون بهذا الأسلوب، يعانون اضطراب الهوية الجنسية أو أي مشكلات أخرى تتعلق بالهوية الجنسية.

لكن قد يشعر عدد قليل من الأطفال بضيق دائم وشديد، ويزداد سوءًا مع تقدمهم في السن.

عادةً ما يحدث هذا في سن البلوغ، عندما يشعرون أن مظهرهم الجسدي لا يتطابق مع هويتهم الجنسية.

ربما يستمر هذا الشعور بعد مرحلة البلوغ، مع وجود رغبة قوية لدى بعض الأشخاص، في تغيير أجزاء من مظهرهم الجسدي، مثل: شعر الوجه أو الثديين.

اختبار اضطراب الهوية الجنسي

يوفر الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5)، تشخيصًا شاملًا لهذا الاضطراب مع معايير محددة خاصة بالأطفال وأخرى للمراهقين والبالغين.

اضطراب الهوية الجنسية عند المراهقين والبالغين

اضطراب الهوية الجنسية عند المراهقين والبالغين

يعرِف الدليل التشخيصي (DSM-5)، اضطراب الهوية الجنسية لدى المراهقين والبالغين بأنه تناقض ملحوظ بين جنس الشخص المولود به، والجنس الذي يشعر بالانتماء إليه.

يستمر ستة أشهر في الأقل، وينبغي أن يتوافر في الشخص عنصرين في الأقل مما يلي:

  • التناقض الواضح بين الجنس الذي يشعر الشخص بالانتماء إليه، والخصائص الجنسية الأولية والثانوية للجنس المولود به.
  • الرغبة القوية في التخلص من الخصائص الجنسية الأولية، مثل الأعضاء التناسلية أو الخصائص الثانوية، مثل: شعر الوجه والثديين.
  • نشأة رغبة لدى المراهقين الصغار، في منع تطور الخصائص الجنسية الثانوية للجنس المولودين به.
  • اقتناع الشخص بأن لديه المشاعر وردود الفعل النموذجية للجنس الآخر.
  • رفض معاملتهم مثل سائر جنسهم، وتفضيل معاملتهم مثل الجنس الآخر.

إضافةً إلى ذلك، تصاحب هذه الأعراض حالة ضعف عام في المجالات الاجتماعية والمهنية، وغيرها من المجالات الحياتية المهمة.

اضطراب الهوية الجنسية لدى الأطفال

وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5)، فإن اضطراب الهوية الجندرية يستمر ستة أشهر في الأقل.

 وينبغي أن يتوافر فيه ستة عناصر مما يلي (يجب أن يكون أحدهم هو المعيار الأول):

  • الرغبة القوية في أن يكون من الجنس الآخر، أو الإصرار على أنه ينتمي له.
  • تفضيل الأولاد (وفقًا للجنس) ارتداء أو محاكاة الملابس الأنثوية، وكذلك مقاومة الفتيات (وفقًا للجنس) ارتداء الملابس الأنثوية وميلهم للملابس الرجالية.
  • المشاركة في الأنشطة التي تخص الجنس الآخر نمطيًا.
  • كره الأعضاء التناسلية الجنسية للجنس المولودين به والنفور منها.
  • الميل للحصول على الأعضاء التناسلية الجنسية، للجنس الذي يشعرون بالانتماء إليه.
  • رفض الأولاد (وفقًا للجنس) الألعاب والأنشطة الذكورية، وتجنب اللعب القوي العنيف، وكذلك رفض الفتيات (وفقًا للجنس) المشاركة في الألعاب والأنشطة الأنثوية.
  • تفضيل اللعب مع زملاء الجنس الآخر، الذي يشعرون بالانتماء إليه. 

وأيضًا يصاحب هذه الأعراض ضعف عام في المجالات الاجتماعية والأنشطة المدرسية.

الفرق بين الشذوذ واضطراب الهوية

يوجد فرق بين التوجه الجنسي والهوية الجنسية، فالمثلية الجنسية هي توجه جنسي، وهو ما يعرَّف بالآتي:

“الانجذاب العاطفي أو الرومانسي أو الجنسي لأشخاص آخرين”

أما الهوية الجنسية، فهي تشمل كيف ينظر الأشخاص إلى أنفسهم أو كيف يصفون أنفسهم، وقد تختلف عن الجنس المولود به الشخص.

المضاعفات

يؤثر اضطراب الهوية الجندرية في جوانب الحياة المختلفة؛ فغالبًا ما يتعارض الشعور بالانتماء لجنس آخر، غير الجنس المولودين به مع أنشطة الحياة اليومية.

ربما يرفض الأشخاص الذين يعانون هذا الاضطراب الذهاب للمدرسة، بسبب اضطرارهم لارتداء ملابس معينة أو خوفًا من المضايقة والتنمر.

يمكن أن يؤدي هذا الاضطراب إلى إضعاف القدرة على العمل أو مواصلة التعلم في المدرسة، مما يؤدي إلى التسرب من المدرسة أو البطالة.

قد يعاني الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب مما يلي:

غالبًا ما يتعرض الأشخاص الذين يعانون اضطراب الهوية الجنسية إلى التمييز، مما يصعب الوصول إلى الخدمات الصحية وخدمات الصحة النفسية.

وذلك يحدث بسبب الخوف من وصمة العار، ونقص مقدمي الخدمات الذين لديهم خبرة كافية للتعامل مع المصابين بهذا الاضطراب.

كذلك فإن المراهقين والبالغين المصابين باضطراب الهوية الجنسية، معرضون لخطر التفكير في الانتحار أو محاولات الانتحار، قبل عملية تغيير الجنس وبعده.

علاج اضطراب الهوية الجنسية

يعد الهدف من العلاج ليس تغيير شعور الشخص تجاه جنسه، بل يتمثل العلاج في معالجة الضغوطات والأذى العاطفي.

تتنوع طرق العلاج التي يمكن للشخص تجربتها، ومنها:

1. العلاج المعرفي السلوكي (CBT)

يعد العلاج المعرفي السلوكي أو “العلاج بالكلام” مع الطبيب المختص أو أخصائي نفسي، جزءًا أساسيًا من علاج اضطراب الهوية الجنسية.

يقرر بعدها عديد من الأشخاص اتخاذ خطوات لجعل مظهرهم الجسدي يتوافق مع شعورهم الداخلي، فقد يغيرون مظهرهم أو يختارون اسمًا مختلفًا.

2. أدوية علاج اضطراب الهوية الجنسية 

وتشمل هذه العلاجات:

حاصرات البلوغ (Puberty Suppression)

هرمونات تثبط التغيرات الجسدية التي تحدث في سن البلوغ، فمثلًا بالنسبة للإناث تمنع نمو الثديين، وبالنسبة للذكور تمنع نمو شعر الوجه.

العلاج بالهرمونات

تتمثل في أن يتناول المراهقون والبالغون الهرمونات الجنسية، مثل: الإستروجين والتستوستيرون، لظهور سمات الجنس الذي يشعرون بالانتماء إليه.

جراحة تغيير الجنس

يختار بعض الأشخاص إجراء جراحة تغيير الجنس أو جراحة “تأكيد الجنس” أو “التحول الجنسي“، بعد عام من العلاج الهرموني.

لكن يوصي الأطباء بإجراء الجراحة بعد سن 18 عامًا فقط، وبعد أن يعيش الشخص في الجنس الذي يشعر بالانتماء إليه مدة عامين.

يساعد الأطباء الأشخاص على اختيار العلاج الأفضل لهم، لكن يتوقف ذلك على إذا ما كانوا راضين عن دورهم الاجتماعي الجديد، أو الآثار الجانبية الهرمونية أو إذا كانوا يريدون تغييرات جراحية.

وختامًا -عزيزي القارئ- فإن اضطراب الهوية الجنسية هو أن يشعر الشخص بأنه ينتمي إلى جنس آخر غير المولود به تشريحيًا.

أسبابه الحقيقية ما زالت غير معلومة، لكن هناك بعض خيارات العلاج التي قد يلجأ إليها الشخص المصاب بهذا الاضطراب.

المصدر
nhs.ukpsychiatry.orgsciencedirect.commayoclinic.orgwebmd.com

د. مروة قابيل

كاتبة محتوى طبي شغوفة بالطب، أهوى نقل المعلومات الطبية بأبسط صورة ممكنة، لإثراء المحتوى العربي، وليجد القارئ العربي مصادر متنوعة يستسقي منها ثقافته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى