الصحة النفسية

اضطراب تعدد الشخصيات | من أنا؟

اضطراب تعدد الشخصيات

اضطراب تعدد الشخصيات!

ما أصعبه من شعور على النفس أن تقف أمام المرآة وأنت في حيرة من أمرك؛ إذ لا تستطيع التعرف إلى ذاتك وتشعر بالاغتراب عن الواقع، نتيجة إصابتك باضطراب تعدد الشخصيات.

فهو يجعل كيانك ينقلب رأسًا على عقب؛ إذ تشعر أن جسدك محتل، ومجبر على العيش بهوية مغايرة تمامًا لذاتك الأصلية؛ مما يؤدي إلى انفصالك عن العالم، وتسيطر عليك الرؤية الضبابية المشوشة لحياتك.

إليك -عزيزي القارئ- في هذا المقال أهم الحقائق بشأن اضطراب تعدد الشخصيات، وأسبابه، وأعراضه، وسبل علاجه.

ما هو مرض تعدد الشخصيات؟ 

يعد اضطراب تعدد الشخصيات Dissociative Identity Disorder حالة تؤثر في علاقة الشخص بالآخرين.

إذ يفضل الانزواء والانفصال عن الواقع، لذا فهو واحد من حالات اضطرابات الانفصام.

يطلق الباحثون عليه أيضًا اسم “اضطراب الهوية التفارقي”؛ إذ يعاني المصاب خلل هويته وتتضارب أفكاره وسلوكياته ومشاعره وذكرياته.

تتباين أعراض اضطراب تعدد الشخصيات ما بين البسيطة والحادة، لكنها في كل الأحوال تؤثر في مهام المريض اليومية، وتصاب حياته الشخصية والعملية بالخلل.

يتميز تلك الاضطراب بتطوير شخصية أو أكثر مغايرة لهوية المصاب الحقيقية، وتُعد هذه الحالة نادرة، لكن تزداد فرص الإصابة لدى الإناث أكثر من الذكور.

أسباب اضطراب تعدد الشخصيات

أوضحت الدراسات أن حوالي 90% من الحالات المصابة باضطراب تعدد الشخصيات كابدت صدمات نفسية، وتعرضت لإيذاء جسدي أو نفسي خاصة في خلال سنوات الطفولة المبكرة.

فيما يلي بيان لأهم أسباب اضطراب تعدد الشخصيات:

  1. الاعتداءات الجنسية أو الجسدية.
  2. الكوارث الطبيعية.
  3. الحروب.
  4. فقدان شخص عزيز.
  5. الحوادث.
  6. الإساءة العاطفية.
  7. العوامل الوراثية والجينية.

أعراض مرض تعدد الشخصيات

تختلف الأعراض من حالة لأخرى، وقد يواجه بعض الأطباء صعوبة تشخيص تلك الاضطراب ويقعون في مأزق، نتيجة تشابه أعراضه مع أعراض اضطرابات نفسية أخرى في بعض الأحيان.

يعاني المصاب امتلاكه عدة هويات مختلفة، لكلّ واحدة صفات خاصة، مثل: العمر والجنس، وقد تطغى إحدى الشخصيات وتترعرع؛ ومن ثم تتحكم في سلوك وأفكار المريض.

ومن أبرز الأعراض المصاحبة لتلك الاضطراب:

  • التقلبات المزاجية.
  • الاكتئاب.
  • النسيان والتشويش الذهني.
  • فقدان الثقة بالنفس.
  • اضطرابات الأكل.
  • يتحرى المصاب الكذب باستمرار، وينكر ما يفعله.
  • الإصابة بهلاوس سمعية وبصرية.
  • التعرض لكبوات اجتماعية ومهنية.
  • تعاطي المخدرات وشرب الكحول.
  • العزلة والانزواء على الذات.
  • المشي في أثناء النوم.
  • مراودة الأفكار الانتحارية للمريض.

الفرق بين الفصام وتعدد الشخصيات

الفصام اضطراب حاد في الدماغ يسبب الهلوسة والضلالات؛ مما يؤدي إلى تشويه أفكار المصاب ومشاعره وسلوكياته، وتنقلب رؤيته للوقائع رأسًا على عقب، وتضطرب علاقاته الاجتماعية والمهنية.

يسبب أيضًا الخوف المرضي المزمن، وحب العزلة والانطواء على النفس، ويُعد الفصام من أكثر الأمراض النفسية تعقيدًا، وقد يلازم المريض طوال حياته ولا ينفك عنه أبدًا.

يبدو سلوك مريض الفصام غير مألوف وأحيانًا يصبح مرعبًا، ومن المؤسف عدم وجود علاج يستطيع دحضه، لكن يعتمد الطبيب النفسي عدة سبل لتدارك الأعراض والسيطرة عليها.

بينما يُعرف اضطراب تعدد الشخصيات بالانفصال وليس الفصام، ويمتلك المريض أكثر من شخصية، لكل منها سماتها وسلوكياتها المميزة ويتناوب المريض بينهم.

أمراض ترتبط باضطراب تعدد الشخصيات

قد يرافق الإصابة باضطراب الهوية الإصابة باضطرابات نفسية أخرى، مثل:

  • اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
  • الاكتئاب.
  • اضطرابات الأكل.
  • الإصابة بنوبات الهلع.
  • معاناة المصاب أنواع من الفوبيا المختلفة.

اختبار اضطراب تعدد الشخصيات

من المؤسف عدم وجود اختبار محدد نستطيع من خلاله تشخيص اضطراب تعدد الشخصيات، لكن يتمكن الطبيب النفسي من التعرف إلى ذلك الداء بتحديد الأعراض التي يعانيها المصاب والتاريخ المرضي.

يقتضي أيضًا اتباع معايير التشخيص وفق الدليل الطبي والإحصائي للأمراض النفسية (DSM-5)، مع ضرورة التأكد من عدم ارتباط الأعراض بأي مشكلات صحية أو نفسية أخرى.

يوصي أيضًا بإجراء الفحوصات الآتية للوصول إلى التشخيص الدقيق:

  1. الفحص البدني.
  2. تحديد التاريخ الطبي للمريض.
  3. الاستعانة بالرنين المغناطيسي أو الأشعة المقطعية، لاستبعاد وجود مشكلات صحية.
  4. اختبارات الدم للتأكد من عدم الإصابة بالتسمم بإحدى المواد.
  5. إجراء تقييم نفسي للمريض.

علاج اضطراب تعدد الشخصيات

علاج اضطراب تعدد الشخصيات

يسهم الدعم الاجتماعي من الأسرة والأصدقاء والأشخاص المقربين في تغلب المريض على مآسي ماضيه، وعلاج ندوب النفس التي تحرق قلبه دائمًا، والمضي قدمًا نحو حياة هانئة لا يشوبها شائبة.

لا بد أن نعي أن اضطراب تعدد الشخصية يمكن أن يستمر مع الشخص طوال حياته في حال إهمال علاجه، ويظل المصاب دائمًا وأبدًا جاهل هويته، وتخفى عليه ذاته الحقيقة.

قد يستغرق علاج مرض تعدد الشخصيات عدة سنوات، لذا لا بد من التحلي بالصبر، ولا يدب اليأس والإحباط إلى داخلنا. 

يعتمد الطبيب خطة علاجية مناسبة وفقًا لطبيعة حالة المريض، ومن أهم الإرشادات المتبعة في أثناء رحلة العلاج:

  1. العلاج النفسي: يُعد أكثر وسائل العلاج انتشارًا، ويساعد المصاب على التعرف إلى جميع الشخصيات التي يتناوبها، ودمجها مع بعضها البعض.

يسهم أيضًا في فهم المريض حقيقة أمره، ومدى تأثير أفعاله على نفسه والآخرين، ويعلمه كيفية التأقلم مع الأعراض التي يعانيها والتصرف السليم معها.

يضم العلاج النفسي عدة تقنيات تساعد في كشف الصدمة الرئيسية المسببة لهذه المعاناة، وتشكيل علاقات اجتماعية سوية مع الآخرين.

  1. العلاج السلوكي المعرفي: يهدف العلاج السلوكي المعرفي إلى علاج السبب الرئيس للإصابة باضطراب الهوية، ويساعده على كبح الضغوط والمشكلات المحيطة به.
  1. العلاج الدوائي: لا توجد أدوية إلى يومنا هذا تستطيع علاج اضطراب تعدد الشخصيات، لكن يصف الطبيب بعض العقاقير لتدارك الأعراض التي تؤرق المريض وتصيبه بالقلق والاكتئاب، مثل:
  • منشطات الجهاز العصبي المركزي.
  • مضادات الاكتئاب.
  • مثبتات المزاج.
  • الأدوية المهدئة، لتقليل أعراض التوتر والقلق.

كيفية التعامل مع الشخص المصاب باضطراب تعدد الشخصيات

يُعد التعامل مع الشخص المصاب باضطراب الهوية مرهقًا للغاية، ويجب أن يتعلم المحيطين أهم سبل التعامل الصحيح مع التغيرات والسلوكيات المتباينة من حين لآخر، مثل:

  • التعرف إلى مرض تعدد الشخصيات، والأعراض التي يعانيها المصاب.
  • التحلي بالهدوء والثبات الانفعالي عند التغير المفاجئ لسلوكيات وسمات شخصية المريض.
  • الحرص على حضور جلسات الدعم الأسري التي يعقدها الطبيب المعالج.
  • توقع تغير شخصية المصاب فجأة في أي زمان ومكان.

هل يمكن منع حدوث الإصابة باضطراب تعدد الشخصيات؟

لا توجد وسيلة يمكن من خلالها منع حدوث ذلك الاضطراب، لكن يساعد الاكتشاف المبكر للأعراض مع التوجه الفوري للطبيب على كبحه وتحجيم عواقبه.

لا بد من مراقبة الأهل للطفل جيدًا بعد تعرضه لأي صدمات أو إساءات نفسية أو جسدية، وأن يعملوا جاهدين على استعادة الطفل توازنه النفسي من جديد.

طرق التأقلم مع مرض اضطراب تعدد الشخصيات

تساعد بعض الخطوات في تجاوز المريض المحن، وتعينه على تقبل ذاته، والتعايش مع اضطراب الهوية، مثل:

  1. الابتعاد عن المواد المخدرة والمشروبات الكحولية.
  2. الحرص على ممارسة التمارين الرياضية باستمرار.
  3. تعلم فنون التأمل والاسترخاء، للحد من التوتر والقلق.
  4. تعزيز ثقة الشخص بنفسه والتعرف إلى مميزاتها وتقبلها على أي حال، وتجنب نقد الذات.
  5. تفريغ طاقة الغضب والضغوط النفسية في المهارات اليدوية أو الأنشطة الفنية.
  6. تجنب العزلة والانطوائية، والانخراط وسط المجتمع وإثبات الذات.
  7. استشارة الطبيب النفسي باستمرار.

وختامًا…

أعي جيدًا قدر معاناة المصاب باضطراب تعدد الشخصيات؛ فهو يعيش حياة مستعارة؛ إذ تكون هويته مسجونة، وعقله أسير، وروحه محتلة.

لكن يقع على عاتق كل المحيطين بالمصاب مسؤولية كبيرة، فلا بد من تقديم يد العون للمصاب، وشد أزره، ومساعدته على زيارة الطبيب باستمرار، والحصول على العلاج في أقرب وقت ممكن.

المصدر
clevelandclinicwebmdpsychiatrymayoclinicwebmd

د. سارة حسن

طبيبة بيطرية ومترجمة وكاتبة محتوى. شغوفة بالاطلاع وكتابة المحتوى الطبي، هدفي تبسيط المعلومات الطبية، وأن تصل المعلومات بشكل غير معقد لمن يريد المعرفة. وأسعى إلى ترك أثرًا طيبًا وعلمًا يُنتفع به.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى