بقلم د. مي فودة
اختبار ستروب! تأكدتُ أنـي لستُ مخطئةً عندما حرمتُ طفلي من الألعاب الألكترونية، وشاركته اللعب بكل ما يساعده على تنمية مهاراته.
كم كنتُ فخورةً عندما حضر عمّه الذي يعمل طبيبًا نفسيًا وقت لعبنا، وأخبرني أن اللعبة البسيطة التي أعددتها بنفسي من أوراق وأقلام ملونة أشبه ما يكون باختبار نفسي عصبي يُعرف باختبار ستروب.
دعونا نتعرف أكثر في هذا المقال إلى تأثير ستروب (stroop effect)، وكيفية تطبيق مقياس ستروب.
تعريف اختبار ستروب (Stroop Test)
يسمى أيضًا اختبار اللون والكلمة (SCWT) اختصارًا ل(stroop color and word test).
اختبار Stroop هو اختبار يستخدم في علم النفس، يقيس زمن استجابة الشخص للكلمات الملونة؛ ليقيم مدى التداخل الذي قد يحدث له عندما يطلب منه استجابة معينة.
كالتعرف على لون الكلمة فقط، فى وجود اثنين من المحفزات معًا كقراءة الكلمة والتعرف إلى لونها.
كيفية تطبيق اختبار ستروب (Stroop Test)
يعرَض على الشخص اسم لون مكتوب بلون مختلف، ويطلَب منه تسمية اللون وليس قراءة الكلمة.
فمثلاً، كلمة أحمر مكتوبة باللون الوردي، وكلمة أزرق مكتوبة باللون الأخضر، ويطلب منه إيجاد اللون المكتوب به الكلمة، وليس قراءة الكلمة.
تأثير ستروب (Stroop effect)
ظاهرة يحدث فيها تداخل للمعلومات المعطاة لشخصٍ ما، عندما يُطلب منه استجابة لأحد هذه المعلومات، فيزيد الوقت المنقضي بين عرض المحفز واستجابة الشخص (زمن رد الفعل).
وهناك تأثير آخر يُعرف بتأثير ستروب العددي.
ويقصد به التداخل الذي يمكن أن يحدث للشخص عندما يُعرض عليه أعداد مكتوبة بأحجام مادية مختلفة.
قد تكون متطابقة، فمثلا رقم ٦ مطبوع بحجم كبير، ورقم ٣ مطبوع بحجم صغير، وقد تكون غير متطابقة، فمثلا رقم ٩ مطبوع بحجم صغير، ورقم ٤ مطبوع بحجم كبير.
ويطلب من الشخص إيجاد الرقم الكبير حجمًا فقط، وليس قيمةً.
وبذلك يكون زمن رد الفعل في العناصر غير المتطابقة أطول منه إذا كانت العناصر متطابقة؛ لأن التداخل بين المحفزين (قيمة العدد والحجم المكتوب به) يكون كبيرًا.
أطلِق على تأثير ستروب هذا الاسم؛ نسبةً إلى (چون ريدلي ستروب) الذي نشر هذا التأثير أول مرة عام ١٩٣٥م.
نظريات تفسير تأثير ستروب
يعتمد تفسير تأثير اختبار ستروب على عدة عوامل، منها:
سرعة المعالجة
تعتمد هذه النظرية على أن معالجة الدماغ للكلمة قراءةً أسرع من معالجتها تعرفًا على لونها، وبذلك تكون الإجابة باسم الكلمة أسرع من الإجابة بلونها.
التلقائية
اعتمدت هذه النظرية على أن التعرف على الألوان ليس عملية تلقائية؛ لذلك يستغرق وقتّا أطول للإجابة.
نظرية الانتباه الانتقائي
تعتمد هذه النظرية على استجابة الدماغ للمحفز الذي يحتاج إلى انتباه، واهتمام أكثر من المحفزات الأخرى.
المعالجة الموزعة المتوازية
تعتمد هذه النظرية على أن هناك مسارات يكوّنها الدماغ للمهام المطلوبة منه أثناء تحليل المعلومات، وقوة المسار هي التي تتحكم في الاستجابة.
فمثلّا، عند عرض اسم لون أحمر مطبوع بحبر أزرق؛ فإنه ينشِط مسارين معًا في وقت واحد، مسار قوي وهو قراءة الكلمة، ومسار ضعيف وهو تسمية اللون.
اختبار ستروب للانتباه
هو اختبار يقيس درجة انتباه الشخص؛ إذ إن تحليل الدماغ للكلمة لقراءتها أسرع من تحليل الألوان.
لذلك فإن تطبيق مقياس ستروب بأن يعرض على الشخص كلمة (أزرق) مطبوعة بحبرٍ أحمر، ويطلب منه تسمية اللون، وليس قراءة الكلمة.
إذا أجاب الشخص إجابة صحيحة وسريعة خلال أول محاولة؛ فإن ذلك يدل على أن لديه تركيزًا عاليًا، وقدرة تحليلية سريعة.
وقد أثبتت التجارب عمليًا أن الرجال لهم استجابة أبطأ من النساء بجزء من الثانية، على الرغم من أن نتيجة مقياس ستروب للانتباه قد تكون متقاربة جدًا لكلا الجنسين.
كذلك عمر الشخص قد يؤثر في نتيجة اختبار ستروب للانتباه .
اختبار ستروب الانفعالي
يهدف هذا الاختبار إلى تقييم زمن استجابة الشخص لمعرفة ألوان الكلمات المقدمة إليه، بشرط أن تكون هذه الكلمات إما مرتبطة باضطراب نفسي، وإما أن تكون محايدة.
فمثلاً، يعرَض على الشخص كلمات ملونة، منها كلمات محايدة مثل: ساعة، سماء، ومنها كلمات انفعالية مثل: حرب، قتل، خيانة.
وقد أكد الباحثون أن الأشخاص تكون استجابتهم لتسمية الكلمة الانفعالية التي قد تمس ألمًا نفسيًأ لتجربة لديهم أبطأ من استجابتهم لتسمية الكلمة المحايدة.
وقد يُجرى اختبار ستروب الانفعالي من خلال عرض صور لكلمات، ووجوه كلاهما انفعالي.
ويطلَب من الشخص إيجاد الكلمات الإيجابية ذات الوجوه السلبية، أو ايجاد الكلمات السلبية ذات الوجوه الإيجابية.
فمثلاً، يعرَض على الشخص عناصر غير متطابقة كوجه حزين مع كلمة (سعادة) في ورقة واحدة، إذ إن الكلمة المكتوبة إيجابية، ورسم الوجه سلبي.
وبذلك يزيد التداخل بين المحفزين، ويزيد زمن رد فعل الشخص لاختبار ستروب الانفعالي.
يحتاج هذا النوع من الاختبار إلى تركيزٍ عالٍ؛ لاختيار الاستجابة المطلوبة، واستبعاد الاستجابة التي لا يجب تقديمها.
وتعد المنطقة الأمامية من الدماغ هي المسؤولة عن منع وتثبيط الاستجابة غير المطلوبة.
النتائج التجريبية لاختبار ستروب الأصلي
صنِفت محفزات نماذج ستروب إلى 3 فئات، وهم:
- محفزات محايدة: يعرض خلالها الكلمة فقط، أو اللون فقط.
- محفزات متطابقة: يشير خلالها لون الحبر الكلمة إلى نفس اللون، مثل كلمة أصفر مكتوبة بلون أصفر.
- المحفزات غير المتطابقة: يختلف خلالها لون الحبر عن الكلمة، مثل أصفر مكتوبة بلون أحمر.
لذلك قسمت النتائج أيضًا إلى 3 فئات:
- التداخل الدلالي: تسمية لون الحبر في وجود المحفزات المحايدة أسرع منه في وجود محفزات غير متطابقة.
- التيسير الدلالي: تسمية لون الحبر في وجود المحفزات المتطابقة أسرع منه فى وجود المحفزات المحايدة.
- اختفاء كلاً من التداخل الدلالي، والتيسير الدلالي: إذا كانت المهمة قراءة الكلمة، وليس تسمية لون الحبر.
لماذا يستخدم اختبار ستروب؟
يستخدم مقياس ستروب في الحالات الآتية:
- تشخيص بعض الاضطرابات النفسية، والعصبية، والعقلية مثل فرط الحركة، وصعوبات التعلم ونقص الانتباه، والفصام، والاكتئاب.
- كأحد الأدوات لتقييم بعض الوظائف التنفيذية، مثل:
التثبيط المعرفي
قدرة العقل على تثبيط المحفز الذي ليس له علاقة بالمهمة المطلوبة.
السيطرة المتعمدة
قدرة العقل على اختيار ما يجب الانتباه إليه، وما يجب تجاهله.
التحكم المثبط
قدرة العقل على تثبيط الاستجابة التلقائية للمحفز؛ لتحقيق استجابة أكثر ملائمةً للهدف (الاستجابات المستبدلة).
الذاكرة العاملة
هي الذاكرة المسؤولة عن معالجة المعلومات المخزنة؛ وبذلك تتحكم في تفكير الشخص، وتوجهه لاتخاذ القرار المناسب، وإتمام الاستجابة المطلوبة.
المرونة الإدراكية
قدرة العقل على تبديل التفكير في محفزين مختلفين في وقت واحد.
حقًا، ما أعظم اختبار ستروب (Stroop Test)! إنه اختبار ممتع، إلى جانب دوره الكبير في تنشيط الدماغ، وزيادة التركيز، وتنظيم الاستجابات العصبية حتى للأصحاء.
