أعراض الوسواس القهري الجنسي | ما بين سوء الفهم وخطأ التشخيص
“الوسواس القهري الجنسي”، ربما هذه المرة الأولى التي تسمع فيها هذا المصطلح! إذ إنه يصعب تعريف هذا السلوك في مجتمعاتنا وأيضًا تشخيصه. نظرًا لإنكار الأشخاص المصابين به لحقيقة هذا السلوك المرضي، ولأن هذه الأفكار غير معهودة من وجهة نظر العالم ونظامه الأخلاقي.
فكيف ينظر المجتمع إلى من أصيب بأعراض الوسواس القهري الجنسي؟ وهل يمكن أن يضر هذا السلوك المرضي باحترام الشخص لذاته، وعلاقته بالآخرين وصحته؟
الوسواس القهري الجنسي
يعد نوعًا من أنواع اضطراب الوسواس القهري (OCD)، إذ يسيطر على هؤلاء الأشخاص تخيلات ودوافع جنسية وأفكار قد تكون متطرفة وغير عادية.
تصبح محورًا رئيسيًا في حياتهم ويصعب السيطرة عليها، مما يتسبب لهم في القلق وتؤثر تأثيرًا سلبيًا في علاقاتهم الاجتماعية، وحياتهم المهنية وصحتهم أيضًا.
يصيب نسبة كبيرة من الأشخاص، فنجد أن شخصًا من كل 40 شخص يعاني الوسواس القهري الجنسي.
إذ يعاني الشخص إدمانًا جنسيًا ويفقد قدرته على التحكم في رغباته الجنسية، مع ذلك هذه الحالات لم يتعرف إليها ولم تعالَج، نظرًا لخوفهم من نظرة المجتمع لهم.
هل الوسواس القهري الجنسي مرض نفسي أو عقلي أو نوع من الجنون؟
لا تصنف الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA) السلوك القهري الجنسي على أنه اضطراب عقلي يمكن تشخيصه، وتضمينه في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5).
أدرجت منظمة الصحة العالمية (WHO)، هذا السلوك الجنسي في التصنيف الدولي للأمراض (ICD-11).
وعرّفته بأنه اضطراب اندفاعي، إذ يصعب السيطرة على الدوافع والأفكار الجنسية، التي تؤدي إلى سلوك أو ممارسات جنسية متكررة.
الفرق بين الوسواس القهري الجنسي والهوس الجنسي
بالتأكيد -عزيزي القارئ- يوجد فرق بينهم، لكن يخطئ كثيرون في الخلط بينهم، ولذلك غالبًا ما يُشخص الوسواس الجنسي على أنه هوسًا جنسيًا.
يكمن الفرق بينهما أن مريض الهوس الجنسي يشعر بالاستمتاع والنشوة لكل الأفكار والدوافع الجنسية المسيطرة عليه، ومن الممكن أن يفعلها دون الشعور بأي قلق أو خوف.
على عكس مريض الوسواس القهري الجنسي، فإنه يشعر بالخوف أو القلق بمجرد التفكير في هذه الأمور، ويرى أن التفكير بمثل هذه الأمور شيء غير أخلاقي ومخزٍ.
مما يجعله متخوفًا ومترددًا أن يتعامل مع الآخرين، خوفًا من نفسه ومن أفكاره، فيبتعد عن الأماكن والتجمعات التي من الممكن أن تشجعه على فعل تلك الأمور.
أعراض الوسواس القهري الجنسي
تشير بعض العلامات إلى أن هذا الشخص يعاني السلوك الجنسي القهري، وأهمها:
- الشعور بأنه مجبر ومدفوع لفعل هذه السلوكيات الجنسية، ويشعر بعد ذلك بأنه تخلص من التوتر لكنه يشعر أيضًا بالندم والذنب.
- لديه تخيلات وعديد من الدوافع والسلوكيات الجنسية المتكررة، وتستهلك من وقته كثيرًا ويشعر أنها خارجة عن إرادته.
- محاولة التحكم في رغباته والسيطرة على أفكاره وكبح سلوكياته الجنسية، لكن دون جدوى.
- لديه مشكلات في تكوين علاقات صحية ومستقرة والمحافظة عليها.
- الانخراط في السلوكيات الجنسية التي لها عواقب وخيمة، مثل: احتمالية إصابته أو إصابة الشخص الآخر بمرضٍ جنسيٍ أو فقدانه لعلاقاته الاجتماعية أو مشكلات في العمل.
- استخدام السلوك القهري الجنسي للهرب من الضغوطات الحياتية أو الاضطرابات النفسية مثل، القلق والاكتئاب.
أسباب الوسواس القهري الجنسي
مع إن أسباب الوسواس القهري الجنسي غير واضحة حتى الآن، إلا إنها قد تشمل:
- خلل في المواد الكيميائية الطبيعية في الدماغ
تساعد بعض المواد الكيميائية (الناقلات العصبية) في الدماغ، مثل: السيروتونين، والنورأدرينالين والدوبامين على تنظيم الحالة المزاجية.
لذا قد يؤدي ارتفاع مستويات هذه المواد الكيميائية إلى حدوث هذا الاضطراب.
- تغيرات في مسارات الدماغ (الدوائر العصبية)
أشارت بعض الدراسات أنه قد تكون التغيرات في الدوائر العصبية في الدماغ خاصةً مراكز تعزيز الدماغ، سببًا في حدوث هذا الاضطراب.
وذلك باعتبار الوسواس القهري الجنسي إدمانًا مثل أنواع الإدمان الأخرى.
- مشكلات صحية تؤثر في الدماغ
قد تؤدي بعض الأمراض والمشكلات الصحية إلى التسبب في هذا السلوك الجنسي، وتؤثر في تلف أجزاء من الدماغ، مثل: الصرع والخرف.
وربما يؤدي علاج مرض باركنسون باستخدام الأدوية المحفزة للدوبامين في حدوث الوسواس القهري الجنسي.
- اضطرابات الصحة النفسية
قد تؤدي بعض اضطرابات الصحة النفسية، مثل: الاكتئاب والقلق، وأيضًا الحالات المزاجية المختلفة، مثل: الفرح والحزن والوحدة إلى عدم القدرة على التحكم في السلوك الجنسي.
أنواع الوسواس القهري الجنسي
يمكن تقسيم السلوك القهري الجنسي إلى قسمين، وهما:
- السلوكيات الجنسية الشاذة (غير المألوفة)
تشمل هذه الأشكال الثمانية المعترف بها في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الرابع (DSM-IV)، وهم:
- التحرش الجنسي بالأطفال (Pedophilia).
- الماسوشية الجنسية (Sexual Masochism)، الشعور باللذة والمتعة الجنسية عند تلقي التعذيب الجسدي والإذلال النفسي.
- التلصص (Voyeurism)، الاختلاس النظري الجنسي.
- التحرش (Frotterurism)، الشعور بالمتعة واللذة الجنسية بالاحتكاك الخارجي.
- الاستعراء (Exhibtionism)، اضطراب جنسي يميل الشخص فيه لإظهار عورته.
- الفيتشية الجنسية (Sexual Fetishism)،
وتعني الحصول على الإثارة الجنسية بالتركيز على أعضاء محددة في الجسم أو أشياء أخرى ليس لها علاقة بالأعضاء الجنسية، مثل: الثياب الداخلية والأحذية ذات الكعب العالي.
- السادية الجنسية (Sexual Sadism)، الشعور باللذة الجنسية بإيلام الطرف الأخر بالضرب أو الاستعباد والإذلال.
- اشتهاء ارتداء ملابس الجنس الآخر (Transvestic Fetishism).
- السلوكيات الجنسية الشائعة (المألوفة)
تشمل بعض السلوكيات المعروفة، ومنها:
- الدفع مقابل الحصول على الجنس من خلال الدعارة.
- الاستمناء القهري أو العادة السرية (Compulsive Masturbation).
- الانخراط في علاقات محرمة خارج نطاق الزواج.
- حضور نوادي وأماكن مخصصة للتعري.
- إدمان الإباحية.
تعد السلوكيات الشائعة وأيضًا غير المألوفة، سلوكيات جنسية قهرية إذا تسببت في حدوث قلق وخلل في حياة الشخص.
أما إذا اعتاد الشخص على فعلها وتكرارها دون أن تؤثر في حياته بالسلب ودون عواقب، فلا تعد سلوكيات جنسية قهرية.
علاج الوسواس القهري الجنسي
يعد الهدف الرئيسي من العلاج، مساعدة الشخص على تقليل الدوافع والأفكار والسلوكيات الجنسية القهرية، ويشمل:
- العلاج النفسي
يساعد العلاج النفسي على إدارة السلوك القهري الجنسي أو التحكم فيه، وذلك من خلال:
العلاج المعرفي السلوكي
يتميز هذا النوع من العلاج أنه يساعد الفرد على تغيير سلوكياته ومعتقداته وإعادة تصحيح الأفكار المشوهة بشأن السلوكيات الجنسية.
وذلك باستخدام مجموعة متنوعة من التقنيات والأساليب التي تساعده على ذلك، وأيضًا يكتسب الشخص مهارات جديدة تدفعه إيجابيًا نحو التعافي.
العلاج بالتعرض ومنع الاستجابة
يعد أحد عناصر العلاج المعرفي السلوكي، إذ يتعرض الشخص إلى مخاوفه ووساوسه القهرية وتعريفه بالأساليب والوسائل الممكنة لمقاومة الرغبة في فعلها.
يتطلب جهدًا وممارسة، لكن بمجرد التعلم وكيفية التحكم في تلك الدوافع والوساوس القهرية وإدارتها، فيستطيع الاستمتاع بحياته وإدارتها أفضل.
العلاج النفسي الديناميكي
يركز هذا النوع من العلاج على زيادة الوعي لدى الشخص تجاه أفكاره ودوافعه الجنسية ومحاولة لتطوير رؤى جديدة وأفكار جيدة وحل النزاع الداخلي.
إذ يشعر الشخص عادةً بالخزي والعار والغضب وقلة الثقة بالنفس، ويمكن تقديم هذا العلاج بصورةٍ فردية أو جماعية أو حتى اجتماعية.
- الأدوية
تساعد بعض الأدوية بالإضافة إلى العلاج النفسي على علاج هذه السلوكيات القهرية، إذ إنها تعمل على المواد الكيميائية الطبيعية في الدماغ المرتبطة بهذه السلوكيات.
تعتمد الجرعة على الحالة الصحية للفرد بالإضافة لحالته الصحية العقلية أيضًا، ومنها:
مضادات الأندروجين
تقلل هذه الأدوية هرمون التستوستيرون في الدم وذلك لتقليل الرغبة الجنسية، وعادةً ما تستخدم للرجال الذين يُشكل سلوكهم القهري الجنسي خطرًا على الآخرين.
النالتريكسون
يعد مضاد أفيوني ويستخدم في علاج إدمان الكحول والمواد الأفيونية، وذلك بتقليل محفزات الرغبة الشديدة بمنع النشوة المرتبطة بالسلوك.
مضادات الاكتئاب
تساعد بعض أنواع مضادات الاكتئاب المستخدمة في علاج الاكتئاب والقلق والوسواس القهري على علاج السلوك الجنسي القهري.
مثبتات المزاج
تستخدم هذه الأدوية لعلاج اضطراب ثنائي القطب، لكنها تقلل أيضًا الرغبة الجنسية القهرية.
مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs)
تستخدم مثبطات السيروتونين في تقليل الرغبة الجنسية وأيضًا القلق المرتبط بالإدمان الجنسي.
في الختام، يحتاج مريض الوسواس القهري الجنسي للدعم ممن حوله ليخطو بخطواته نحو التعافي، فهو يشعر بالذنب والعار من أفكاره ودوافعه الجنسية.
لكنه يحتاج لمن يتفهم طبيعة مرضه ويساعده على تقويم سلوكياته الجنسية غير المرغوب فيها، وأيضًا الاستمتاع بحياته وفقًا للأخلاقيات وتحت إطار الشرع والدين.