قد يريبكِ كون طفلكِ مفعمًا بالنشاط والطاقة، ويدفعكِ إلى الشك في إصابته بفرط الحركة عند الأطفال وتأخر الكلام. فطفلكِ هو إرثكِ الحي، وتتمثل فيه إنجازاتكِ التي لم تتمكني من تحقيقها بنفسِك.
يفسر ذلك مراقبتكِ المستمرة لسلوكه وحالته النفسية، وكذلك خوفكِ من وقوعه فريسةً لأحد أكثر الاضطرابات العصبية انتشارًا بين الأطفال.
سنحاول معًا التعرف إلى اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه باختصار، وتقصّي حقيقة الفرق بين فرط الحركة والشقاوة أو النشاط الزائد.
اضطراب فرط الحركة عند الأطفال وتأخر الكلام
“تجربتي مع فرط الحركة وتشتت الانتباه منذ الصغر كانت حربًا ضد الوحدة والعزلة وسوء التفاهم”
تلخّص تلك الكلمات جلّ ما يشعر به مرضى ذلك الاضطراب الذي يظهر في أثناء الطفولة غالبًا من سن ثلاث إلى سبع سنوات.
يتمثل ذلك المرض في صعوبة التركيز في أثناء الدراسة أو العمل أو الأنشطة، والتصرف أيضًا دون تفكير، وصعوبة المكوث في سكون فترةٍ ولو كانت قصيرة.
كما يختلف معدل انتشار اضطراب فرط الحركة عند الأطفال وتأخر الكلام بين المجتمعات، لكنه في المتوسط يتراوح بين 2%-18% من مجموع الأطفال في مختلف الدول؛ مما يجعله في مصافّ أكثر الاضطرابات العصبية انتشارًا بينهم.
أعراض فرط الحركة عند الأطفال
تتفاوت أيضًا علامات فرط الحركة عند الأطفال، وأهمها:
- صعوبة التعلم والتركيز في أثناء إنجاز المهام أو الدراسة.
- الثرثرة المفرطة.
- كثرة النسيان.
- ارتكاب الأخطاء باستمرار ودون تفكير.
- كثرة التململ وصعوبة الجلوس بهدوء.
مقياس فرط الحركة وتشتت الانتباه
سنجيب هنا عن السؤال الرئيس في هذا المقال: ما اختبار فرط الحركة وتشتت الانتباه؟ وما المعايير التي تجعلكِ مطمئنة على ولدكِ حال غيابها عنه؟
يستعين الأطباء ومقدمو الرعاية الصحية بالإرشادات الصادرة عن الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين بغرض تشخيص ذلك الاضطراب. يأتي الآن ذكر تلك المعايير باختصار.
تشخيص فرط الحركة وتشتت الانتباه
تتجلّى إصابة مرضى فرط الحركة وتشتت الانتباه في أحد هذين العرضين أو كليهما:
- تشتت الانتباه: يعد الطفل مصابًا بتشتت الانتباه إذا لوحظ وجود ستة على الأقل من الأعراض الآتية، بشرط استمرارها مدة ستة شهور على الأقل وتأثيرها على نموه وتطوره:
- كثرة النسيان في أثناء إنجازه أنشطته اليومية.
- غفلته عن التفاصيل وارتكابه أخطاءً نتيجة الإهمال في أثناء عمله أو دراسته أو أنشطته اليومية.
- كما يسهل تشتيت انتباهه.
- صعوبة التركيز في أثناء انشغاله بالمهام أو الألعاب.
- فقدانه أدواته الأساسية التي يحتاجها في الأنشطة والمهام باستمرار، مثل أوراقه أو مستلزمات المدرسة من أقلام ودفاتر أو مفاتيحه أو نظارته.
- لا يبدو عليه الإنصات إذا تحدث الناس إليه مباشرةً.
- كذلك يجد صعوبة في ترتيب أنشطته ومهامّه.
- كراهيته إنجاز المهام التي تتطلب مجهودًا ذهنيًا لوقت طويل وتجنبها والتردد في قبولها.
- عدم اتباعه التعليمات وفشله في إتمام الواجبات المدرسية أو الأعمال الروتينية أو المهام المطلوبة أيضًا.
- الاندفاعية وفرط النشاط: يعد الطفل مصابًا بهما إذا توفرت ستة على الأقل من الأعراض الآتية، بشرط استمرارها مدة ستة شهور على الأقل وتأثيرها على نموه وتطوره:
- التطفل على الآخرين واعتراضهم في أثناء عملهم أو لعبهم.
- التململ والتلوي بيديه وقدميه مرارًا.
- معاناته في أثناء انتظار دوره.
- كذلك مغادرته موضع جلوسه في الأوقات التي يجب الجلوس في أثنائها (مثل الفصول الدراسية أو المحاضرات).
- حضوره في المواقف غير المناسبة.
- الثرثرة بإفراط.
- لا يقدر على المشاركة بهدوء في الأنشطة الترفيهية.
- استمراره في النشاط والحركة وعدم القدرة على التزام الهدوء طويلًا.
- اندفاعه للإجابة على السؤال قبل اكتماله أيضًا.
بالإضافة لما سبق، ينبغي أن تنطبق المعايير الآتية جميعها للتشخيص:
- ظهور عديد من أعراضه قبل بلوغه اثنا عشر عامًا.
- تجلي تلك الأعراض في موقفين على الأقل (مثل المدرسة أو البيت أو مع الأقارب أو الأصدقاء).
- تأثير تلك الأعراض على دراسته أو عمله أو أنشطته الاجتماعية أيضًا.
- ألّا يُعزى ظهور تلك الأعراض إلى أسباب ذهنية أو نفسية أخرى ولا تقترن بها (مثل الفصام أو التوتر).
بذلك ينقسم ذلك الاضطراب إلى ثلاثة أنواع:
- نوع تغلب عليه صفات تشتت الانتباه.
- نوع تغلب عليه صفات الاندفاعية وفرط النشاط.
- كذلك نوع يدمج كليهما بنسب متقاربة.
يجدر بالذكر أنه توجد بعض الاختبارات لتشخيص تشتت الانتباه مثل اختبار ستروب.
الفرق بين فرط الحركة والشقاوة أو النشاط الزائد
نعي قلقك من شقاوة طفلكِ، لعلكِ تتساءلين “طفلي نشيط أم مريض”؟
لا يدل نشاط طفلكِ الزائد أو شقاوته وحدهما على إصابته بفرط الحركة إن لم تنطبق عليه الأعراض السابقة بالمعايير المذكورة؛ فهناك فرق بينهما وبين الأعراض الناجمة عن ذلك الاضطراب. فقرّي عينًا واستشيري الخبراء والأطباء في التعامل الأمثل لصحته النفسية.
يهدف ذكر الإرشادات السابقة إلى زيادة الثقافة والمعرفة فقط، ولا ينبغى استخدامها في تشخيص المرض.
العلاقة بين فرط الحركة وتأخر الكلام
أشارت أبحاث عدّة إلى ارتباط ذلك الاضطراب بصعوبات التعلم والمشكلات اللغوية وعدم القدرة على الاستخدام الأمثل للّغة في المواقف الاجتماعية المعقدة مثل النكات أو السخرية.
استنتجت إحدى تلك الأبحاث أن الأطفال المصابين به أكثر عرضةً لتلك المشكلات بالمقارنة بمثلائهم الأصحاء بنسبة تصل إلى ثلاثة أضعاف.
فرط الحركة عند الرضع
ربطت دراسةٌ نُشرت سنة 2011 بين إصابة بعض الأطفال بذلك المرض وبين معاناتهم سابقًا بعد ولادتهم من مشكلات النوم والرضاعة وبكائهم بشدة. بينما يرى خبراءٌ آخرون أن تلك العلامات لا يُعتمد عليها، فكل الأطفال يبكون ويتوعّكون!
لا تتجلى علامات ذلك الاضطراب إلا مع الاختبار الحقيقي لقدرات الطفل العقلية والنفسية الذي يخضع إليه الطفل في مدرسته؛ لما تتطلب من قدرة على الاستيعاب والتركيز والصبر وضبط النفس.
لذلك لا ينبغي التسرع أو القلق أو الشك في إصابة الرضيع في المستقبل بفرط الحركة عند الأطفال وتأخر الكلام، إلا إذا ثبت وجود بعض الاضطرابات النفسية أو الاجتماعية داخل الأسرة، ويجب حينها استشارة الطبيب أو اختصاصي المشكلات السلوكية.
علاج فرط الحركة وتشتت الانتباه
- الأدوية المنشطة: تُعد الأدوية المنشطة للجهاز العصبي المركزي الركن الأساسي في العلاج؛ فهي تحدّ من الأعراض في 70%-80% من الحالات، وتتمثل في:
- ميثيل فينيدات (Methylphenidate): الذي يعزّز تأثير النورإبينفرين (Norepinephrine) والسيروتونين (Serotonin)، وهما من أهم النواقل العصبية التي تحفز الجهاز العصبي المركزي.
- الأمفيتامينات (Amphetamines): تؤدي تلك الطائفة من الأدوية إلى زيادة تأثير الدوبامين (Dopamine) والنورإبينفرين (Norepinephrine)، وتتكون من مجموعة كبيرة من المواد، مثل أمفيتامين (Amphetamine) وديكستروأمفيتامين (Dextroamphetamine) وليسديكس أمفيتامين (Lisdexamfetamine).
- أدوية أخرى: قد توصف بعض العقاقير الأخرى عوضًا عن الأدوية المنشطة؛ لأسباب تتعلق بالآثار الجانبية للمنشطات أو وجود أمراض أخرى مصاحبة لفرط الحركة وتشتت الانتباه، مثل الاكتئاب أو التشنج، من أمثلة تلك الأدوية:
- كلونيدين (Clonidine).
- غوانفاسين (Guanfacine).
- أتوموكستين (Atomoxetine).
- إيميبرامين (Imipramine).
- بوبروبيون (Bupropion).
أسماء أدوية فرط الحركة في السوق المصري
- كونسيرتا (Concerta).
- ريسبردال (Risperdal).
- ستراتيرا (Strattera).
- أتوموكس أبيكس (Atomoxapex).
- أتومافوتيكس (Atomafutix).
- إيميبرامين (Imipramine).
- توفرانيل (Tofranil).
هل يمكن علاج فرط الحركة بدون أدوية؟
أفنى كثير من الباحثين أوقاتهم في سبيل علاج فرط الحركة دون أدوية، معتمدين على تحفيز انتباه الطفل ومحاولة تعديل سلوكه لتحسين جودة تعاملاته مع مجتمعه، وأوجدوا حلولًا كان لها تأثير مقارب لعمل العقاقير في بعض الحالات، مثل:
العلاج السلوكي
صدر عن بعض المراكز والمواقع المتخصصة برامج تدرب الآباء على استخدام بعض أساليب العلاج السلوكي مع أبنائهم، خاصةً إن كان عمرهم أقل من ست سنوات؛ فهم أكثر عرضة للآثار الجانبية للأدوية.
أوصت تلك الجهات بإشراك المدارس في تلك المنظومة؛ لأنها تمثل التحدي الأكبر لهؤلاء الأطفال لما تحويه من واجبات وأنشطة ومعاملات مع أقرانهم ومدرسيهم.
الأنشطة البدنية
أثبتت الدراسات أهمية التمارين لعلاج فرط الحركة عند الأطفال وتأخر الكلام، فهي تفرغ أجسامهم من الطاقة المكبوتة، وتحفز تأثير النواقل العصبية وتزيد الانتباه، وتكثف الإمداد الدموي للمخ.
لم ينصح الخبراء بنوع معين من التمارين، لكنهم أوصوا بممارسة التمارين المتوسطة إلى المكثفة مدة 60 دقيقة يوميًا على الأقل.
متى يزول فرط الحركة؟
قد تتحسن الأعراض مع تقدم العمر، لكنها قد تستمر وتظهر في مرحلة البلوغ، مؤثرةً في قدرة الشخص على العمل وحياته الاجتماعية.
أسباب فرط الحركة عند الأطفال وتأخر الكلام
لم تحدد أسبابه حتى الآن بوضوح، لكن يعتقد وجود صلة بينه وبين العوامل الآتية:
- العوامل الوراثية (يتوقع الباحثون أنها السبب الرئيس).
- الولادة المبكرة.
- انخفاض الوزن عند الولادة.
- التدخين أو تناول العقاقير المخدرة في أثناء الحمل.
- كذلك التعرض لبعض المواد الكيميائية، مثل الرصاص.
ما أعراض فرط الحركة عند الأطفال وتأخر الكلام إلّا غيضًا من فيض ما يعانيه الطفل في حربه ضد ذلك الاضطراب. وفي المقابل، فإن تتطابق بعض أعراضه على طفلكِ لا يؤكد إدراجه تحت قائمة المصابين به.
لذلك استعيني بإرشادات المتخصصين في العلاج النفسي للأطفال كخطوة أولى وأهمّ، ثم استزيدي من المعلومات من المصادر الموثوقة في سبيل طفولة أفضل لفلذة كبدك.
