الصحة النفسية

علاج اضطراب الشخصية الفصامية | خفيٌّ على صاحبه وظاهرٌ للآخرين

لا يرى الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية الفصامية أن لديهم مشكلة، ويظهر هذا الاضطراب بشدة في أثناء مرحلة البلوغ. ومع ذلك نجد هؤلاء الأشخاص قادرون على العمل وناجحون، خاصةً في الأعمال الفردية التي قد لا يتحملها الآخرون.

صفات الشخصية الفصامية (Schizoid Personality Disorder)

نوع من اضطرابات الشخصية، إذ يميل الأشخاص المصابون به للعزلة والانطواء وعدم القدرة على تكوين علاقاتٍ اجتماعيةٍ.

إضافة إلى ذلك، فهم يجدون صعوبةً شديدةً في التعبير عن شعورهم ويفضلون الأنشطة الفردية.

تجربتي مع اضطراب الشخصية الفصامية

يسرد مريض الشخصية الفصامية قائلًا: لا أحب التجمعات، أشعر بعدم الرغبة في الاندماج مع الآخرين بل أعتقد أنني لا أستطيع تكوين علاقات بمن حولي.

صُدمت حين قال لي طبيبي النفسي أنني أعانِي اضطراب الشخصية الفصامية! لكن كيف وأنا لا أرى ذلك، لا أدري لماذا يرونني مريضًا؟!

هل حبي للعزلة أصبح مرضًا من وجهة نظرهم؟! أم لأنني لا أحبِذ التجمعات أصبحت غريبَ الأطوار، فما هذا الاضطراب؟ وما أسبابه وكيف يؤثر في حياتي؟!

الفرق بين اضطراب الشخصية الفصامية والفصام

مع أنّ الأسماء قد تبدو متشابهة، إلّا أن هناك أوجه اختلاف بين هذين الاضطرابين، ومنها:

  • الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية الفصامية نادرًا ما يصابون بجنون العظمة.
  • لا يعانون الهلاوس سواء السمعية أو البصرية.
  • أكثر اتصالًا بالواقع ويكونوا منطقيين عندما يتحدثون، على خلاف الأشخاص المصابين بالفصام (Schizophrenia)، الذين يتبعون أنماط حديث يصعُب فهمها.

لكن على الجانب الآخر نجد أن هذا الاضطراب يشترك مع اضطراب الفصام في بعض الأعراض.

فكلاهما يميل للعزلة والانطواء وعدم القدرة على تكوين علاقات اجتماعية والتعبير عن شعورهم العاطفي أيضًا.

أعراض اضطراب الشخصية الفصامية

يُلاحظ ظهور أعراض هذا الاضطراب في مرحلة البلوغ المبكر، ويؤثر في عديدٍ من مجالات الحياة والعلاقات مثل العلاقات الأسرية والعمل والمدرسة، ومن ضمن هذه الأعراض:

  • تجنب الأنشطة والتفاعلات الاجتماعية.
  • الرغبة دائمًا في اختيار الأنشطة والوظائف الفردية.
  • الشعور باللامبالاة تجاه الثناء أو النقد.
  • صعوبة التواصل مع الآخرين.
  • عدم القدرة على تكوين علاقات اجتماعية وثيقة.
  • التعامل ببرود مع الآخرين وعدم التعاطف معهم.
  • فقدان الذكاء الاجتماعي في فهم الآخرين والتعبير عن نفسه.
  • عدم الرغبة في التعامل مع الأشخاص وفقدان الشغف.
  • ضعف الرغبة الجنسية.

مضاعفات اضطراب الشخصية الفصامية

يتعرض الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب لبعض المضاعفات إذا لم يخضعوا للعلاج، ومنها:

  • الاكتئاب.
  • اضطراب القلق.
  • الميل للانتحار.
  • اضطرابات المِزَاج.
  • الإصابة بأحد اضطرابات الشخصية الأخرى الأكثر حدة، مثل الفصام وغيره.
  • مشكلات على المستوى الاجتماعي والوظيفي.
  • اضطرابات العلاقات الأسرية.

ذكرنا من قبل، أن الشخص المصاب بهذا الاضطراب لا يرى أنه مريض ويمارس حياته طبيعيًا، بل ويحقق إنجازات في عمله وتزداد ثقته بنفسه.

لذا لا يلجأ إلى المساعدة الطبية ويتأخر في طلب العلاج لهذا المرض، لذا يتطور الأمر وقد يصل لهذه المضاعفات الخطيرة مع مرور الوقت.

تحليل اضطرابات الشخصية الفصامية

يستطيع الطبيب تشخيص هذا الاضطراب بإجراء بعض الفحوصات، ومنها:

  1. الفحص البدني

يبدأ الطبيب بالفحص الجسدي أولًا، لاستبعاد أي أمراض جسدية قد تكون سببًا في تلك الأعراض.

إذا لم يجد أي أسباب صحية، سوف يُحِيلك إلى اختصاصي الأمراض النفسية والعقلية لعمل الفحوصات اللازمة.

  1. الفحص أو التقييم النفسي

يبدأ الطبيب بعمل التقييم النفسي بناءً على الأعراض المذكورة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5).

يوجد أيضًا ما يُسمى باختبار الشخصية، إذ يبدأ الطبيب النفسي بطرح بعض الأسئلة على المريض بشأن طفولته، وعلاقاته الاجتماعية والأسرية بالإضافة إلى الجانب الوظيفي.

وبإجابات المريض والنتيجة النهائية للاختبار، يستطيع الطبيب تحليل شخصية المريض ومعرفة هل يعاني هذا الاضطراب أم اضطرابًا آخر في الشخصية.

يساعِد هذا الاختبار الطبيب كثيرًا على التشخيص وبدء استراتيجية العلاج المناسبة للمريض.

علاج اضطراب الشخصية الفصامية

يكون علاج هذا الاضطراب في البداية أمرًا صعبًا، لأن الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب يجدون صعوبة تكوين علاقات مع الآخرين، فيجدون صعوبةً التواصل مع الطبيب المعالج.

لذا يبدأ الطبيب المعالج في تحسين مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي وبِناء ثقة بينه وبين المريض لتسهيل مرحلة العلاج، وذلك باتباع الآتي:

  1. العلاج المعرفي السلوكي (العلاج الفردي)

يعد هذا العلاج النفسي مفيدًا جدًا للمصابين بهذا الاضطراب، إذ يتفهم الطبيب طبيعة المريض وحاجته لمساحته الشخصية وعدم الضغط عليه.

يبدأ الطبيب بتغير المعتقدات والأفكار المترسخة لدى المريض، بالإضافة إلى تطوير مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي ببعض التمارين والسلوكيات المكتسبة المختلفة.

أيضًا يقدم الطبيب الدعم النفسي للمريض، كي يشعر بالاطمئنان ويتجاوب معه في المراحل العلاجية.

  1. العلاج الجماعي

يعد الهدف من العلاج الفردي، إعداد المريض للتفاعل والتواصل مع الآخرين، لبدء العلاج الجماعي.

يوفر العلاج الجماعي بِنية دعم قوية ويحسن مهارات التواصل الاجتماعي، إذ يهتم الطبيب بإدخال المريض في الحِوار الجماعي يستمع للآخرين ويستمعون إليه.

فتنشأ صداقة قوية بينهم ويجعل المريض قادرًا على التعبير عن نفسه ومشاعره، ويتعاطف مع الآخرين ويشعر بهم وبذلك يخطو خطوات فعالة تجاه التعافي.

  1. العلاج بالأدوية

لا يوجد علاج محدد لاضطراب الشخصية الفصامية، بل يساعِد التدخل الدوائي على علاج المشكلات المصاحبة لهذا الاضطراب مثل الاكتئاب والقلق. وتوصف أدوية نفسية  للسيطرة على الأعراض مثل ريسبردال وكلوبيكسول.

لكن لا يُنصح باستخدام هذه الأدوية مدة طويلة، كي لا تتعارض مع العلاج النفسي المُتبع.

أسباب اضطراب الشخصية الفصامية

تعد أسباب هذا الاضطراب غير معروفة حتى الآن، لكن يعتقد بعض العلماء أنه توجَد بعض الأسباب التي تؤثر في حدوثه، ومنها:

  1. العوامل البيئية

تؤدي البيئة دورًا هامًا في حدوث هذا الاضطراب خاصةً في المراحل المبكرة، إذ تتشكل شخصية الفرد من خلال بعض العوامل البيئية التي تؤثر فيه فيما بعد.

ومن هذه العوامل:

  • تجارِب الطفولة.
  • التفاعلات الاجتماعية.
  • الصفات المكتسبة.
  • أساليب التربية في الأسرة وغيرها، ويؤدي حدوث أي خلل في هذه العوامل إلى ظهور هذا الاضطراب أو تطوره وتفاقمه.

إضافة إلى ذلك، نشأة الطفل في بيئة يغيب عنها الحب والدفء ولا يستطيع التعبير عن مشاعره خلالها، الذي يعد أحد الأسباب القوية أيضًا. 

  1. العوامل الوراثية

للعوامل الوراثية دور هام في حدوث اضطراب الشخصية الفصامية أيضًا.

فإذا كان التاريخ العائلي يوضِح إصابة أحد الوالدين ببعض الاضطرابات الشخصية الأخرى مثل اضطراب الشخصية الحدية أو الفصام، فيزيد احتمالية حدوث الاضطراب عند الأبناء.

الأكثر عُرضة للإصابة بهذا الاضطراب

أثبتت الدراسات أن 3.1 إلى 4.9% من سكان الولايات المتحدة الأمريكية يعانون الفصام، لكنه أكثر شيوعًا في الحالات الآتية:

  • الرجال أكثر عرضةً من النساء.
  • التاريخ العائلي للأشخاص الذين يعانون الفصام (Schizophrenia).
  • وجود أحد الآباء أو الأقارب المصابين باضطراب الشخصية الحدية (Borderline Personality Disorder).
  • إصابة أحد الوالدين باضطراب الشخصية الانطوائية (Avoidant Personality Disorder).
  • وجود الطفل في أسرةٍ لا تستجيب لاحتياجاته العاطفية وعدم الاهتمام به وإهماله.

في الختام -عزيزي القارئ- إذا كان لديك أحدٌ يعاني اضطراب الشخصية الفصامية، تحلى بالصبر ولا تصدر عليه الأحكام، وكن له مصدر الدعم والثقة.

شجعه على اللجوء إلى المساعدة الطبية، عادةً ما يكون هذا الاضطراب دائمًا، ومزمنًا ومستمرًا، لكن مع التدخل العلاجي يستطيع المريض أن يحيا حياةً طيبةً.

المصدر
mayoclinic.comwebmd.comhealthline.comverywellmind.commedlineplus.gov

د. إسراء أحمد الفرماوي

صيدلانية، وكاتبة محتوى طبي، أؤمن أن الإنسان عليه أن يسعى حتى يصل لأحلامه ويثبت وجوده من خلال شغفه، أطمح دائما لكي يصل العلم لكافة الناس بطريقة سلسة ومبسطة، وهدفي الارتقاء بمستوى المحتوى الطبي العربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى