نقد الذات | متى يختفي ذلك الشبح المخيف؟
بقلم د. آية الحنفي
نقد الذات! هل توجد علاقة بينه وبين جلد الذات، وكيف نغير أفكارنا عن ثقافة نقد الذات السلبي، لنتعرف لماذا يحتاج الإنسان لنقد ذاته؟
نعيش الحياة باحثين عن ملاذٍ آمنٍ يشجعنا دون نقد، فلا بُد أولًا أن نكون لأنفسنا خير الملاذ.
فهيا نصحح مفهوم نقد الذات في هذا المقال.
ما معنى النقد الذاتي (Self-criticism)؟
نقد الذات ذلك الصوت الداخلي، الذي يجعلك تنتقد سلبًا كل ما تفعله، وقد يساعدك في كثير من الأحيان على التعلم من أخطائك وتحسين كفاءتك.
لكن إذا كان لديك مستوى عالٍ من لوم الذات قد يؤثر ذلك في احترامك لذاتك، لأن استجابتك لذلك الصوت الداخلي دون وعي منك قد يشعِرك بالفشل والدونية.
ينقسم مقياس انتقاد الذات الذي صدر عام 2004 وطوره طومسون وزورف إلى نوعين، هما:
- مقارن (Comparative): إذ يعتمد الشخص على مقارنة نفسه بالآخرين.
- داخلي (internalized): رغبتك في الوصول للكمال وأي نتيجة أقل من المتوقع تشعرك بالفشل.
تعريف مصطلح نقد الذات في علم النفس
يقول علماء النفس أن نقد الإنسان ذاته يعني أن يضع معايير ذاتية عالية ليحقق نجاح بأي طريقة، وإذا لم يتحقق يثور شبح النقد الذاتي.
وثبت أنه يؤدي إلى أشكال عدة من الأمراض النفسية، مثل: القلق، والاكتئاب، والاضطراب ثنائي القطب، وكره الذات الذي يعد سببًا من أسباب الانتحار.
علامات تشير إلى أنك مفرط في نقد الذات
إليك بعض سمات النقد الذاتي التي تمارسها دون وعي، وتشمل ما يلي:
- دائمًا ما تلوم نفسك على كل موقف سيء، وتحَمِل نفسك المسؤولية.
- تنقد ذاتك، وتقول: “أنا فاشل” أو “أنا غبي”.
- شخص يرفض مواجهة المخاطر تجنبًا للفشل.
- غالبًا ما تتجنب التعبير عن رأيك الخاص، خوفًا من قول شيء خاطئ.
- تقارن نفسك بالناس، وتستمد تقديرك لذاتك من طريقة تعامل الآخرين معك.
- غير راضٍ عن إنجازاتك.
إذن…
ما هي أسباب نقد المرء ذاته؟
غالبًا ما يكون لأفكار النقد السلبي جذورًا تتعلق بالنشأة، فأساليب الآباء التي تتسم بالصلابة تعزز التصورات الذاتية السلبية.
عندما يتعرض الأطفال للنقد المتكرر على الأغلب يسيرون على نفس النهج من نقد أنفسهم وكذلك الآخرين.
على النقيض، عندما تمنح الحرية للأبناء وتسمح لهم بتجربة أشياء جديدة دون الخوف من اللوم أو النقد المتكرر؛ تتعزز لديهم الثقة بالنفس.
ما تأثير نقد الذات على الصحة النفسية؟
من فوائد نقد الذات أنه قد يساعدك في التعلم من الأخطاء السابقة، لكن عندما يمنعك من خوض تجارب جديدة ويعيق تطورك الذاتي، هنا يطغى ضرره على الفائدة المرجوة منه.
يعتقد الأشخاص الذين يبالغون في انتقاد أنفسهم باستمرار بأنهم غير جيدين في فعل أي شيء؛ مما يجعلهم يشعرون بعدم الثقة بالنفس.
أيضًا قد يجدون صعوبة في التعبير عن آرائهم خوفًا من نقد الآخرين المفرط، ولنقد ذاته إذا وجد صعوبة التعبير عن احتياجاته للآخرين خوفًا من التعرض للنقد مرة أخرى، بناءً على أفكاره السلبية التي تقيضه.
ما الفرق بين نقد وجلد الذات؟
يمكن أن يتخذ العقاب الذاتي أشكالًا عدة، منها إيذاء النفس ونقد المرء ذاته بطريقة سلبية ومتكررة.
يعد نقد الذات شكلًا من أشكال جلد الذات الذي لا يعلّمنا شيئًا جديدًا أو يضيف لنا سوى الاكتئاب.
أصبحنا نأخذ النقد الذاتي في صورته السلبية فقط حتى لم يعد له أي تأثير في تطور إنجازاتنا.
ما يفعله جلد الذات هو أن يقلل معنوياتنا ورغبتنا في النهوض من السرير.
مع أن العقاب الذاتي قد يوفر راحة قصيرة المدى، ولكن تأثيره في الصحة النفسية قد يكون أكبر.
لماذا ننتقد ذواتنا إذا كان ذلك يشعرنا بالسوء؟
تشير الأبحاث إلى أننا ننتقد أنفسنا لأننا معتادين على تلك الطريقة من النقد، إما للتراجع عن أشياء سيئة صدرت منا -على الرغم من أننا في الواقع لا يمكننا تغيير الماضي-، أو لأننا نريد تغيير سلوكياتنا لتكون أكثر ملائمة مع الشخص الذي نريد أن نصبح مثله.
كذلك لأننا اعتدناه منذ الصغر، فغالبًا إذا كان والداك ينتقداك في حال عدم مذاكرة دروسك جيدًا؛ فستتبع نفس المنهاج مع نفسك عند فشلك في الجامعة مثل:
- تقدم النقد لنفسك لتفادي النقد المتكرر من أي شخص.
- تضطر للعمل بجِد فقط لتفادي النقد.
- أي انتقاد ستتلقاه سيكون أقل ألمًا، لأنك فعلًا كنت تضع نفسك تحت أعين ناقدة دائمًا.
تحرر من قيود نقد الذات
لوم الذات من العادات السيئة التي ترتكبها في حق نفسك؛ فهو ينغص عليك جوانب حياتك الاجتماعية والعاطفية والمهنية وأيضًا الصحية، لذا تحتاج لاستبدال معتقداتك السلبية بمعتقدات جديدة.
إليك بعض النصائح التي ستساعدك:
- تعرف إلى صوتك الداخلي
عندما نسمح لأنفسنا سماع صوتنا الداخلي، سنواجه ذواتنا الحقيقية التي تشكلت منذ الصغر والتجارب السيئة التي مررنا بها.
تعلُم التعرف على هذه الأفكار هو مفتاح التغلب عليها، وهذا ما يحدث في العلاج المعرفي السلوكي.
- كن رحيمًا مع نفسك
سيكون التعاطف مع النفس ترياقًا فعالًا للتعامل مع الصوت الداخلي الناقد.
فقد كنت تكرر ذلك الحديث السلبي لسنوات، لذا تحتاج للصبر على النتائج.
- جرب جلسات التأمل
اسمح لنفسك بالجلوس وسماع الأفكار دون صدور أي أحكام، فقد ثبت أن ممارسة اليوجا وتمارين اليقظة الذهنية مع التأمل تؤدي لتقليل النقد الذاتي.
- تظاهر أنك تتحدث إلى صديق ينتقد نفسه، وتقدم له كلمات تشجيعية
بمجرد أن تبني عادة تحدي الحديث الذاتي السلبي، ستجد أنها أصبحت أقل تأثيرًا عليك.
في النهاية لا يعني التوقف عن نقد الذات إخبار نفسك أن كل ما تفعله جيد، ولكن المهم هو تقبل الأشياء السيئة التي تحدث لك، وبعد ذلك يمكنك التفكير في كيفية التعامل معها.