الصحة النفسية

تجربتي مع اضطراب الشخصية الحدية وعلاقته بالاكتئاب 

اضطراب-الشخصية-الحدية-min

يُعد اضطراب الشخصية الحدية Borderline Personality Disorder (BPD)، مرض عقلي يظهر في أثناء مرحلة المراهقة أو مع بداية سن البلوغ.

يعاني الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب مشكلات في تنظيم عواطفهم، والتحكم في سلوكهم والحفاظ على علاقات مستقرة.

تجربتي مع اضطراب الشخصية الحدية 

بدأت معاناة الشخصية الحدية منذ الثانية عشر من عمري، ربما بسبب نشأتي في أسرة غير مستقرة تسودها المشكلات المتعددة والعنف.

أشعر دائمًا بعدم الاستحقاق وأني بلا قيمة، وأثر ذلك على علاقاتي الاجتماعية وصرت أميل إلى الوحدة.

لم أجد أحد بجواري يومًا ما بل لم يحبني أحد، وشعَر كل من حولي أنني شخصًا متهورًا قاسيًا.

لم أخبر أحد بمعاناة اضطراب الشخصِية الحدية، الذي تسبب في إصابتي بالاكتئاب وفقدان الشغف، وفي بعض اللحظات تنتابني فكرة الانتحار لإنهاء هذه الحياة الصعبة.

أسباب اضطراب الشخصية الحدية

ما زال الباحثون يحاولون معرفة السبب الدقيق لاضطراب الشخصِية الحدية. قد تساهم بعض العوامل في هذا الاضطراب، مثل:

الوراثة 

ينتشر هذا الاضطراب في بعض العائلات، إذ إنه يوَرث.

العوامل البيئية 

قد تؤدي النشأة في بيئة غير مستقرة (إيذاء نفسي أو عاطفي أو جسدي) إلى زيادة فرصة الإصابة بهذا الاضطراب.

قد يزيد الإهمال أو الانفصال عن أحد الوالدين المخاطر.

الاضطرابات الدماغية 

تتضمن هذه الحالات:

  • ضعف التواصل بين بعض أجزاء الدماغ المتحكمة في المشاعر والسلوك، مما يؤثر في عمل الدماغ.
  • خلل في كيمياء المخ، فيقل إفراز المواد التي تساعد على تحسين الحالة المزاجية، مثل هرمون السيروتونين.

كيف اعرف ان عندي اضطراب الشخصية الحدية؟

تظهر أعراض الشخصية الحدية عادةً في أواخر سن المراهقة أو بداية البلوغ، بسبب اضِطراب ما بعد الصدمة أو بعد التعرض لتجربة مريرة.

لكن بمرور الوقت تقل الأعراض وقد تختفي تمامًا.

تتشابه أعراض الشخصية الحدية مع أعراض اضطِراب ثنائي القطب، لذلك قد يخلط الناس أحيانًا بين الاضطرابين.

تتضمن أعراض الشخصية الحدية، ما يلي:

  • تقلبات مزاجية متكررة وشديدة.
  • خوف شديد من الهجر أو الرفض.
  • صعوبة الحفاظ على علاقات شخصية صحية.
  • سلوك متهور وخطير، مثل: تعاطي المخدرات، والنشاط الجنسي غير الآمن.
  • إيذاء النفس، فالمصابون بهذا الاضطراب قد يجرحون أو يحرقون أو يؤذون أنفسهم أو لديهم أفكار انتحارية.
  • اكتئاب وملل وعدم رضا وشعور بانعدام القيمة، وكراهية الذات.
  • البارانويا: أي القلق من الناس واعتقادك أنهم لا يحبونك أو يرغبون في قضاء الوقت معك.
  • فقدان الاتصال بالواقع (الخروج من الجسد).

صفات الشخصية الحدية

يتميز أصحاب الشخصية الحدية بعدة صفات، أبرزها:

  • شخصيات حساسة سريعة الغضب.
  • لا يؤذون أحدًا عدا أنفسهم، فمشاعرهم قد تدفعهم لإيذاء أنفسهم.
  • تقلب المشاعر، والميل إلى العزلة.
  • الشعور بالفراغ، والافتقار إلى الإحساس بالذات.
  • صعوبة تنظيم العواطف (يتأرجح بسرعة من الغضب إلى الهدوء).

مضاعفات اضطراب الشخصية الحدية

قد يزيد اضطراب الشخصية الحدية خطر الإصابة باضطرابات أخرى إذا لم يعالَج، مثل:

اضطراب الشخصية الحدية والحب 

تمثل العلاقات الرومانسية لأصحاب الشخصية الحدية وشركائهم في العلاقة مجموعة فريدة من التحديات.

إذ إن نقاط ضعف الشخصية الحدية تتمثل في الاندفاع والتقلبات المستمرة في المشاعر.

على سبيل المثال، قد يكون صاحب الشخصية الحدية حنونًا ومتشوقًا، لكن فجأة في غضون ساعات قليلة تتغير حالته العاطفية ويشعر بالاختناق أو الإرهاق والملل.

قد يؤدي إلى ابتعاد الشريك أو الصديق الذي كان يحاول الاقتراب منه للتو، فالتعامل مع الشخصية الحدية يتطلب الصبر.

يمكن بالعلاج والدعم الاجتماعي من العائلة والأصدقاء تخفيف معاناة الشخصية الحدية، ومساعدتها على إقامة علاقات ناجحة.

اضطراب الشخصية الحدية والزواج 

يعاني أصحاب الشخصِية الحدية عواطف وعلاقات غير مستقرة، لذلك إذا عانى الزوج أو الزوجة هذا الاضطراب فمن المرجح أن تتأثر العلاقة بينهما.

لكن إذا حاول الطرف الآخر استيعاب وتفهم ما يشعر به شريكه صاحب الشخصية الحدية، ربما يستطيع جعل الحياة أكثر استقرارًا.

يظهر تأثير هذا الاضطراب أكثر في العلاقات الحميمية، لذلك يكون أكثر وضوحًا في علاقة الزواج.

يسعى أصحاب الشخصية الحدية لضمان بقاء الآخرين جانبهم دائمًا، وبسبب خوفهم من الهجر فهم يشعرون أغلب الوقت بعدم الأمان بشأن العلاقة.

اضطراب الشخصية الحدية والجنس

مع أن بعض الدراسات أثبتت زيادة في السلوك الجنسي لدى أصحاب الشخصية الحدية، إلا أن هناك أيضًا دليل على أن البعض يتجنب الجنس بالفعل.

قد يلجأ أصحاب الشخصية الحدية لممارسة الجنس لملأ الفراغ العاطفي، وفي أوقات أخرى قد يتجنبون ممارسة الجنس خوفًا من تفاقم أعراضهم.

قد يؤدي الحزن الشديد أو الخوف أو الغيرة أو حتى المشاعر الإيجابية إلى الميول الجنسية المندفعة.

اضطراب الشخصية الحدية والاكتئاب

يعاني كثير من أصحاب الشخصية الحدية الاكتئاب، إذ أظهرت إحدى الدراسات أن حوالي 96%‎ من أصحاب الشخصية الحدية استوفوا معايير اضطراب المزاج والاكتئاب.

لاحظ كثير من الخبراء أن الاكتئاب يظهر عند أصحاب الشخصية الحدية مختلفًا عن غيرهم.

بينما يرتبط الاكتئاب عادةً بمشاعر الحزن أو الذنب، فنجده عند أصحاب الشخصية الحدية مرتبطًا بمشاعر الغضب، والوحدة، والعار العميق.

ذلك لأن صاحب الشخصية الحدية يشعر أنه شخص سيئ أو شرير.

غالبًا ما تحدث نوبات الاكتئاب لدى أصحاب الشخصية الحدية، بسبب الخسائر الشخصية مثل تفكك العلاقة والانفصال.

أثبتت الدراسات أن استجابة أصحاب الشخصية الحدية لعلاج الاكتئاب، أقل من أولئك الذين لا يعانون هذا الاضطراب.

أي أن العلاج الذي يركز على أعراض اضطراب الشخصية الحدية يظهر تأثيرًا أكثر فاعلية في تقليل أعراض كلتا الحالتين.

هل يمكن الشفاء من اضطراب الشخصية الحدية؟

يستغرق العلاج الفعال لاضطراب الشخصية الحدية وقتًا وصبرًا والتزامًا.

قد يوصي الأطباء بعض الحالات بإقامة قصيرة الأجل في المستشفى، إذا كان متوترًا جدًا أو معرضًا لخطر إيذاء النفس أو الآخرين.

يتضمن علاج هذا الاضطراب العلاج النفسي (العلاج بالكلام) أو الأدوية أو كليهما.

العلاج النفسي

يمكن أن تساعد أنواع مختلفة من العلاج النفسي في السيطرة على هذا الاضطراب، ويتضمن:

يعمل المستشار النفسي في أثناء هذه الجلسات على تعليم المريض كيفية إدارة مشاعره، والتعرف إلى السلوكيات غير المرغوب فيها وتغييرها للأفضل.

قد يكون العلاج جماعيًا أو منفردًا مع الاستشاري النفسي.

أدوية علاج اضطراب الشخصية الحدية 

لا يوجد دواء لعلاج هذا الاضطراب على وجه التحديد، لكن هناك عدة أنواع من الأدوية تفيد في علاج الأعراض المختلفة، مثل:

  • مضادات الاكتئاب: تساهم في علاج نقص السيروتونين، وتعد من أهم الأدوية التي توصف لعلاج الاكتئاب عند أصحاب الشخصية الحدية.
  • مضادات الذهان: أثبتت الدراسات أن مضادات الذهان تقلل القلق والتفكير بجنون العظمة، ومشاعر الغضب والاندفاع لدى أصحاب الشخصية الحدية.
  • مثبتات المزاج: نحتاج إليها للسيطرة على نوبات الحزن، مثل: الليثيوم أو ليثوبيد (lithium).
  • مضادات القلق: نظرًا لأن أصحاب الشخصية الحدية غالبًا ما يعانون قلق شديد، لذلك توصف لهم مضادات القلق، مثل: بوسبار أو بوسبيرون (buspiron).

هل اضطراب الشخصية الحدية خطير؟

قد تنخرط الشخصية الحدية في بعض السلوكيات الخطيرة أو الضارة لأنفسهم، مثل: القيادة المتهورة أو الجنس المحفوف بالمخاطر.

يمكن أن يزيد أيضًا خطر الإصابة بما يلي:

  • فقدان الإنتاجية.
  • مشكلات العمل.
  • اضطراب العلاقات.
  • تعاطي المخدرات أو الكحول.
  • سلوك مدمر للذات، مثل محاولة الانتحار.

ختامًا، -عزيزي القارئ- أود أن أنوه إلى أن أعراض اضطراب الشخصية الحدية غالبًا ما تختفي مع التقدم في العمر بالعلاج الصحيح.

يساعد العلاج الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب على تعلم كيفية السيطرة على حالتهم، وتخفيف حدة الأعراض وتحسين نمط حياتهم.

المصدر
webmd.comverywellmind.comhealthline.comclevelandclinic.org

د. نهى يوسف

طبيبة بيطرية ومترجمة وكاتبة محتوى طبي، أسعى لتبسيط المعلومة وتوصيلها للجميع؛ فزكاة العلم نشره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى